في خضم حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق الأميركية بشأن مسار أسعار الفائدة، يواصل مستثمرو وول ستريت رهاناتهم على البيتكوين، مستغلين أي انخفاض في السعر لزيادة مراكزهم، في وقت تتجه فيه التوقعات إلى ربع سنوي صعودي تاريخي للعملات الرقمية.
ووفقًا لبيانات منصة “ذا بلوك”، ضخت صناديق تداول البيتكوين الفورية في وول ستريت نحو 241 مليون دولار يوم الأربعاء، قادها صندوق iShares Bitcoin Trust التابع لشركة بلاك روك، والذي استحوذ على ما يقارب 129 مليون دولار من التدفقات الصافية. وجاء ذلك بعد يومين من التدفقات الخارجة التي بلغت حوالي 363 مليون دولار يوم الاثنين و104 ملايين دولار يوم الثلاثاء.
في المقابل، عانت صناديق تداول الإيثيريوم الفورية الأميركية من تدفقات خارجة بلغت نحو 79 مليون دولار يوم الأربعاء، لتسجّل اليوم الثالث على التوالي من السحب، تزامنًا مع تراجع سعر العملة إلى مستوى 4000 دولار. هذا التباين يعكس اختلافًا في ثقة المستثمرين بين البيتكوين والإيثيريوم خلال الفترة الأخيرة.
ورغم تدفق رؤوس الأموال إلى البيتكوين، ظل السعر مستقرًا نسبيًا بين 111,800 و112,100 دولار يوم الخميس، وسط تقلبات يومية ملحوظة. ويأتي ذلك بينما يستوعب المتداولون قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض الفائدة بربع نقطة مئوية الأسبوع الماضي، إضافة إلى تصريحات رئيسه جيروم باول الذي شدّد الثلاثاء على أن صانعي السياسات لن يتعجلوا في اتخاذ خطوات إضافية من التيسير النقدي.
هذا ووصف باول خفض الفائدة الأخير بأنه “إجراء لإدارة المخاطر” يهدف إلى احتواء تباطؤ سوق العمل، مؤكدًا في الوقت ذاته أن البنك لم يشهد ضغوطًا كافية لإقرار خفض أكبر بنصف نقطة مئوية. وتشير توقعات الاحتياطي الفيدرالي إلى إمكانية إجراء مزيد من التخفيضات خلال العام، لكن لغة باول جاءت لتعكس الحذر والترقب، في محاولة لموازنة مخاطر التضخم المتزايدة مع تباطؤ التوظيف.
هذا التوجه الحذر انعكس بدوره على العملات الرقمية، حيث وصف محللون الوضع الحالي بأنه “سوق الاحتمالات”، مع تداول البيتكوين قرب مستويات مقاومة حرجة. وأوضح تيموثي ميسير، رئيس الأبحاث في BRN، أن العملة الأكبر شكّلت قاعًا مزدوجًا عند مستوى 111,115 دولارًا لكنها لا تزال تواجه مقاومة قوية حول 113,500 دولار، مشيرًا إلى أن أي اختراق حاسم قد يدفعها نحو 115,000 دولار، بينما تبقى احتمالات التراجع قائمة إلى نطاق يتراوح بين 105,000 و90,000 دولار.
أما الإيثيريوم، فرغم تماسكه مؤقتًا عند 4000 دولار، وصفه المحللون بأنه “هش”، إذ قد يؤدي أي كسر لهذا المستوى إلى انزلاق نحو 3800 أو حتى 3600 دولار.
في النهاية، يعكس هذا المشهد التوتر الدقيق في السياسة النقدية الأميركية: فإذا أسرع الفيدرالي بخفض الفائدة فقد يتجدد التضخم، وإذا تباطأ كثيرًا فقد ترتفع البطالة بشكل غير مبرر. وبين هذه المعادلة، تظل البيتكوين والعملات الرقمية أسيرة مستويات الأسعار الفنية أكثر من السرديات الاقتصادية، بانتظار اختراق واضح يحسم اتجاه السوق.
