قتل ذلك الطائر الأزرق: هل يمكن لـ X Chat أن يصبح "WeChat الغرب" لإيلون ماسك؟

المقدمة: من تويتر إلى X وولادة X Chat

لو كان إيلون ماسك شخصية روائية، لكانت قصته مليئة بالدراما: ملياردير وعبقري تقني وطموح يسعى لتغيير العالم، يتنقل بين السيارات الكهربائية والصواريخ والذكاء الاصطناعي.

في عام 2022، عندما استحوذ على تويتر مقابل 44 مليار دولار، بدأت أحدث فصول هذه الدراما. تويتر، الذي كان يُعتبر "ساحة البلدة الرقمية" بسبب حد الـ140 حرفًا، أصبح مركزًا للحوار العام العالمي. لكن في يد ماسك، لم تمر سنة حتى استبدل الطائر الأزرق، رمز الحوار العام العالمي، بلا رحمة بحرف "X" الأسود البارد، الذي وصفه بأنه نواة تطبيق خارق "يفعل كل شيء".

اليوم، وبعد ثلاث سنوات، أصبحت ولادة X Chat أحدث علامة في هذا التحول—أداة تواصل مشفرة من طرف إلى طرف، تحمل هوس ماسك بالخصوصية والحرية ودمج التكنولوجيا، وتدفعه إلى مواجهة مباشرة مع عمالقة الاتصالات التقليدية.

لكن بالنسبة لمراقبي وول ستريت ووادي السيليكون، السؤال الحقيقي هو: هل هذه ثورة في الاتصالات أم مجرد حملة تسويقية صاخبة أخرى لإخفاء أزمة X في عائدات الإعلانات؟

أولاً، الخلفية التاريخية: علاقة الحب والكراهية بين ماسك وTwitter/X (2022-2024)

بذرة هذا الطموح زُرعت منذ عام 2017. حينها، كان ماسك البالغ من العمر 46 عامًا منشغلًا بعلاقته مع "ملكة البحار"، وزراعة الشعر، ومحاولات إنقاذ العالم، واشترى بعد عدة محاولات اسم النطاق لشركته الأولى— X.com —هذه البذرة نمت بعد خمس سنوات لتصبح شجرة عملاقة تبتلع تويتر.

في عام 2017، أنفق ماسك مبلغًا ضخمًا لاستعادة اسم النطاق x.com—الأصل الرقمي الذي كان يخص شركته الناشئة الأولى X.com (التي اندمجت لاحقًا مع PayPal). في ذلك الوقت، لم يدرك الكثيرون أن هذه الخطوة التي بدت عاطفية كانت مقدمة لخطة أكبر بكثير. بعد خمس سنوات، عندما بدأ ماسك ينتقد سياسات تويتر في مراجعة المحتوى، ظهر حينها القيمة الحقيقية لهذا النطاق.

أما عملية الاستحواذ في عام 2022 فكانت بحد ذاتها فيلم إثارة تجاري: استحواذ + تسريح موظفين؟

في ذلك العام، قدم ماسك عرضًا أوليًا للاستحواذ بسعر 54.20 دولار للسهم، ثم حاول التراجع، لكنه أُجبر تحت ضغط قانوني على إتمام الصفقة في أكتوبر من نفس العام بقيمة ضخمة بلغت 44 مليار دولار. فما هو حجم هذه الصفقة؟

لو حُولت هذه الأموال إلى حاملات طائرات، لكانت كافية لبناء 3 حاملات من طراز Ford—وهي من أكثر السفن الحربية تطورًا وغلاءً في العالم، وتكلفة كل واحدة منها تصل إلى 13 مليار دولار. بعبارة أخرى، أنفق ماسك في استحواذه على تويتر ما يعادل بناء ثلاث حاملات طائرات خارقة—وهذا هو "ذخيرة" ماسك في هذه الصفقة.

بعد إتمام الاستحواذ، أطلق ماسك على الفور ما وُصف بأنه "أكثر إعادة هيكلة جذرية في تاريخ وادي السيليكون": تم تسريح أكثر من 50% من الموظفين، بما في ذلك معظم فريق مراجعة المحتوى. وطُلب من الموظفين الباقين العمل بنظام "العمل الشاق". هذه الإدارة المتشددة أدت إلى انخفاض الروح المعنوية داخل تويتر، لكنها وفرت للشركة تكاليف ضخمة في الموارد البشرية.

في الوقت نفسه، أطلق ماسك نظام الاشتراك "العلامة الزرقاء المدفوعة"، على أمل تحقيق الأرباح من اشتراكات المستخدمين بدلًا من عائدات الإعلانات. لكن هذا النظام أثار جدلاً واسعًا، وأدى إلى انسحاب عدد كبير من المعلنين، ما تسبب في تراجع كبير في إيرادات تويتر.

سياسات مراجعة المحتوى المتساهلة والتحيز الخوارزمي: الواقع سرعان ما وجه صفعة لماسك.

لجذب المزيد من المستخدمين، خفف ماسك من سياسات مراجعة المحتوى، بل وأعاد تفعيل بعض حسابات اليمين المتطرف. هذه السياسات المتساهلة جلبت نموًا مؤقتًا في التفاعل، لكنها أدت أيضًا إلى زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، ما أخاف المعلنين أكثر. بحلول منتصف 2023، تضررت صورة تويتر بشكل كبير وانخفضت ثقة المستخدمين. العديد من المعلنين الكبار، بما في ذلك Apple وDisney، اختاروا "تقليل أو تعليق" إعلاناتهم على المنصة، مما أدى إلى انخفاض عائدات X من الإعلانات بأكثر من 50%.

من Twitter إلى X: عشق WeChat وتغيير اسم الطائر الأزرق

في يوليو 2023، أعلن ماسك تغيير اسم تويتر إلى "X"، واعتبره "تطبيق كل شيء". من الواضح أن هذه الفكرة مستوحاة من WeChat الصينية:

فقد عبّر مرارًا في مناسبات عامة (مثل اجتماعات الموظفين والبودكاست) عن إعجابه بـ WeChat، واعتبرها نموذجًا لـ X، ووصفها في All-In Summit 2022 بأنها "تطبيق ممتاز" و"نموذج جيد".

WeChat ليست مجرد أداة دردشة، بل هي منصة دفع، مدخل للتجارة الإلكترونية، وقناة توزيع محتوى. يأمل ماسك في بناء تطبيق خارق مماثل عبر X، لكنه يواجه تحديات أعقد من WeChat. فحساسية المستخدمين الغربيين تجاه الخصوصية، والرقابة التنظيمية الصارمة، وقوة المنافسين، كلها تحديات أمام X.

لاحقًا، أطلق X في نفس العام ميزات المكالمات الصوتية والمرئية، وبدأ اختبار وظائف الدفع. والأهم، دمج ماسك شركته للذكاء الاصطناعي xAI في منصة X، مما وضع الأساس لوظائف الذكاء الاصطناعي في X Chat لاحقًا. بحلول أوائل 2024، لم يعد X مجرد منصة تواصل اجتماعي، بل أصبح نظامًا بيئيًا رقميًا في طور التطور.

ثانيًا، مسار التطور: تطور X Chat من الفكرة إلى الإطلاق (2024-2025)

بينما كان انخفاض عائدات الإعلانات في X يثير قلق محللي وول ستريت، برزت ميزة الرسائل الخاصة في "حريم ماسك الرقمي" بهدوء. هذه الميزة التي كانت ثانوية سابقًا، ستصبح الآن منصة مستقلة تحت اسم "X Chat"

في سبتمبر 2024، لمح ماسك لأول مرة على منصة X إلى فصل ميزة النشر العام عن الرسائل الخاصة، لتصبح الرسائل الخاصة أداة تواصل أكثر أمانًا وتركيزًا. يمكن للمستخدمين التواصل عبر الرسائل الخاصة باستخدام X فقط. هذا التصريح أثار الكثير من التكهنات حول X Chat.

في 1 يونيو 2025، تم إطلاق النسخة التجريبية من X Chat رسميًا لبعض المستخدمين. تركز هذه الأداة على التشفير من طرف إلى طرف، الرسائل المختفية، مشاركة الملفات، والمكالمات الصوتية/المرئية، وتدعي اعتماد بنية تشفير لامركزية شبيهة بـ bitcoin. في 20 أكتوبر، دخلت نسخة v0.1 مرحلة الاختبار العام، وجذبت ملايين المستخدمين. بنهاية أكتوبر، أعلن ماسك رسميًا عن خطط لفصل X Chat كمنصة مستقلة، مع بنية تشفير P2P شبيهة بـ bitcoin، وأكد أنها ستنافس عمالقة الاتصالات التقليديين مثل WhatsApp وSignal.

الجدول الزمني الرئيسي كالتالي:

• 11 سبتمبر 2024: لمح ماسك إلى "فصل النشر العام عن الرسائل الخاصة"، والسماح للمستخدمين باستخدام X للرسائل الخاصة فقط.
• 1 يونيو 2025: إطلاق النسخة التجريبية المدمجة من X Chat، وأعلن ماسك: "إطلاق X Chat الجديد، يدعم التشفير، الرسائل المختفية، إرسال أي ملف، والمكالمات الصوتية/المرئية. مبني على Rust، ويستخدم تشفير شبيه بـ bitcoin، وبنية جديدة كليًا."
• 20 أكتوبر 2025: اختبار عام لنسخة v0.1، وشجع ماسك التجربة: "جربوا 𝕏 Chat، نظامنا للتواصل المشفر، يدعم النصوص، نقل الملفات والمكالمات. فعّل من القائمة الجانبية."
• 31 أكتوبر 2025: تحديثات لميزات الخصوصية، وكشف في بودكاست Joe Rogan عن إطلاق تطبيق مستقل "خلال الأشهر القادمة"، مع التركيز على التشفير P2P ودمج المدفوعات مع Visa.

المصدر: Youtube

ثالثًا، الميزات الأساسية والابتكارات التقنية: أولوية الخصوصية و"ابتكار على طريقة bitcoin"

X Chat أبرز أول درع حماية له، وهو مجموعة تشفير يُقال إنها "نفس تقنية bitcoin" درع التشفير.

جوهر X Chat هو حماية الخصوصية، ويتجلى ذلك في تقنياته التشفيرية. فهو يعتمد تشفير من طرف إلى طرف (E2EE)، باستخدام تقنية تشفير لامركزية شبيهة بـ bitcoin، أي بنية "تشفير من نظير إلى نظير (P2P)"، لضمان أن طرفي المحادثة فقط يمكنهما فك تشفير الرسائل، ولا يمكن لأي طرف ثالث التجسس عليها.

ولتعزيز الأمان والكفاءة، اختار فريق التطوير لغة البرمجة الحديثة Rust المعروفة بالأداء العالي والأمان، لإعادة بناء وحدة الاتصال بالكامل، مما يقلل من الثغرات الأمنية المحتملة. والأكثر إثارة للدهشة، أن X Chat يزعم عدم جمع بيانات المستخدم الوصفية—وهو موقف نادر في صناعة التكنولوجيا المعتمدة على البيانات.

على مستوى الميزات، X Chat يغطي جميع احتياجات أدوات الاتصال الحديثة: الرسائل المختفية تتيح للمستخدمين ضبط وقت حذف المحادثات تلقائيًا؛ مشاركة الملفات تدعم إرسال ملفات بحجم يصل إلى 2GB؛ المكالمات الصوتية/المرئية مدمجة مع تقنيات تحسين الصوت من xAI لضمان تأخير منخفض وجودة عالية. بالإضافة إلى ذلك، يدمج X Chat ميزات متكاملة مع منصة X، حيث يمكن للمستخدمين مشاركة المنشورات أو الوسائط مباشرة في الدردشة. هذا النموذج "منصة + تواصل" يُعتبر عنصرًا أساسيًا في استراتيجية ماسك لـ"تطبيق كل شيء".

ومن وجهة نظر مراقبي صناعة التشفير، فإن إطلاق X Chat في المستقبل لن يكون مجرد عرض منتج، بل هو بمثابة "قنبلة سردية جديدة" للصناعة بأكملها. فاعتماد تصميم تشفير شبيه بـ bitcoin يعني إدخال معايير أمان على مستوى blockchain في أدوات التواصل اليومية—وهذا قد يدفع العملات الرقمية المعنية بالخصوصية إلى مزيد من الاهتمام في سيناريوهات الدفع الخاصة. والأكثر إثارة، ميزة الدفع المدمجة X Money وتفاعلها مع بروتوكول الدفع x402 الذي أطلقته Coinbase في مايو 2025: الأول يدعم المكافآت المشفرة، والثاني مخصص للمدفوعات الفورية الصغيرة لوكلاء الذكاء الاصطناعي.

إذا تحقق الدمج بين الاثنين، فإن سيناريوهات الدفع الخاصة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لن تبقى مجرد أفكار نظرية. وبالطبع، قد يكون Dogecoin هو المستفيد الأكبر—ففي خريطة أعمال ماسك، لم تغب هذه "الشيبا" عن المشهد أبدًا.

رابعًا، التحديات والجدل: الصعوبات الداخلية والخارجية التي تواجه X Chat

طريق القادم الجديد لم يكن يومًا سهلاً: والواقع مليء بالعواصف.

تقنيًا، رغم أن تقنية التشفير من طرف إلى طرف في X Chat نالت إعجاب دعاة الخصوصية، إلا أن بنية P2P الخاصة به ما زالت قيد الاختبار في حالات الضغط العالي. خلال فترة الاختبار العام في 2025، أبلغ بعض المستخدمين عن تأخير في الرسائل وانقطاع الاتصال، مما أثار تساؤلات حول قدرته على تحمل ضغط المستخدمين العالميين.

أما من الناحية السوقية، فيواجه X Chat منافسة شرسة: WhatsApp يضم أكثر من 2 مليار مستخدم، Signal يجذب عشاق الخصوصية، وTelegram يثبت نفسه بين المستخدمين الباحثين عن الحرية بفضل القنوات والمجموعات الكبيرة ومقاومة الرقابة. لا يزال من غير الواضح كيف سيخترق ماسك هذا السوق الأحمر.

أما المشكلة الأكثر تعقيدًا فهي الثقة. فمنذ استحواذ ماسك على X، تعرضت المنصة مرارًا لانتقادات بسبب قضايا الخصوصية ومراجعة المحتوى.

رغم تعهد X Chat بعدم جمع البيانات الوصفية، إلا أن ثقة المستخدمين في ماسك نفسه متفاوتة. بعض النقاد تساءلوا بحدة: "كيف يمكن لمنصة تعتمد على عائدات الإعلانات أن تضع الخصوصية في المقام الأول حقًا؟" بالإضافة إلى ذلك، هناك ضغوط تنظيمية كبيرة. قانون MiCA الأوروبي والتشريعات الأمريكية للخصوصية قد تفرض تحديات على نموذج عمل X Chat، خاصة فيما يتعلق بتخزين البيانات ونقلها عبر الحدود.

خامسًا، التطلعات المستقبلية: هل يمكن أن يصبح X Chat "WeChat الغرب"؟

فهل سينجح هذا "الوافد الجديد" في التتويج أخيرًا؟

لم يخف ماسك يومًا إعجابه بنموذج WeChat: تطبيق خارق يجمع بين التواصل والدفع والتواصل الاجتماعي والخدمات. إذا نجح X Chat في الاستقلال ودمج الدفع والذكاء الاصطناعي والمحتوى من X بعمق، فقد يصبح نواة "WeChat الغرب".

ومع ذلك، قد تشكل الفروق الثقافية والسوقية عقبة. نجاح WeChat اعتمد على بيئة الإنترنت المتنقلة المركزية في الصين واعتماد المستخدمين على تطبيق واحد، بينما يفضل المستخدمون الغربيون التطبيقات المتخصصة المنفصلة.

بالإضافة إلى ذلك، لم تُحل بعد التناقضات بين وعود الخصوصية ومتطلبات تحقيق الأرباح: إذا تم إدخال الإعلانات أو ميزات الدفع، فهل سيتخلى المنصة عن مبدأ "الخصوصية أولاً"؟ ولادة X Chat ليست مجرد خطوة محورية في تحول منصة X، بل هي أيضًا تحدٍ جريء لصناعة الاتصالات الحديثة. هل ستنجح في تحقيق التوازن بين الخصوصية والوظائف، وهل ستصمد أمام المنافسة والرقابة؟ لا تزال الإجابة غير معروفة.

لكن هناك أمر مؤكد: حتى لو لم تتحقق رؤية ماسك بالكامل، فإن وجود X Chat نفسه قد غيّر قواعد اللعبة. قد لا تهيمن منصة واحدة على مستقبل الاتصالات، بل ستتنافس المنصات الكبرى بقوة في مجالات الخصوصية والوظائف وتجربة المستخدم.

وفي النهاية، سيكون المستفيد الأكبر هو المستخدمون حول العالم—وربما يكون هذا هو أعظم قيمة يقدمها X Chat.

 

رابط المقال الأصلي